الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

هل زار الرحالة الشهير ابن بطوطة الصين ؟


المصدر: الحياة
الكاتب: صلاح حسن رشيد
تاريخ النشر(م): 21/1/2006
تاريخ النشر (هـ): 12/21/1426
منشأ:
رقم العدد: 15632
الباب/ الصفحة: 19 - تراث
هل زار الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة بلاد الصين؟ ولماذا اختلف المؤرخون في شأن هذه الرحلة بالذات؟ وما الذي اضافته هذه الرحلة للمؤرخين والجغرافيين؟
هذه اسئلة طرحها الكثير من المستشرقين والباحثين، نظراً لقيمة وأهمية رحلته التي جابت ثلاثين بلداً في ثلاثين عاماً في العصور الوسطى، طوّف خلالها في جنبات الارض، واصفاً وكاشفاً وسارداً تفاصيل حياة هذه الشعوب، وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها المختلفة. ونقطة الجدل هذه تتركز حول ما إذا وصل ابن بطوطة ربوع الصين فعلاً أم لا؟
مترجم الرحلة الى الصينية وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة أكد لنا أن زيارة ابن بطوطة للصين حدثت بالفعل، وعليها أدلة وشواهد قوية وهو يقول:
هناك روايات عدة ووجهات نظر متضاربة في هذا الشأن.
- الرواية الأولى، يمثلها العالم البريطاني سير هنري ييل وهو ينكر فيها رؤية ابن بطوطة الصين، ويرى أن ما ذكره ابن بطوطة حول الصين في كتابه"تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الاسفار"، هو خيالي من ألفه إلى يائه، ولا يعتد به أبداً وهو ما يراه كذلك العالم الفرنسي مفريند حيث يؤكد أن ما سجله ابن بطوطة عن الهند الصينية والصين لا صحة له!
- والرواية الثانية، تسعى للتشكيك في الرحلة، ويمثلها العالم الألماني مزيك حيث يقول:"إن ابن بطوطة لا يفهم إلا اللغات العربية والفارسية والتركية والهندية، ثم يعتمد على المترجم حينما يقوم بزيارات لبلدان لا يعرف لغاتها. لذا يمكن أن نشكك في وصفه لبلاد الصين لكن ليس من السهولة الحكم: هل كان الأمر حقيقة وزيفاً، الا بعد معرفة حقيقة رحلة ابن بطوطة؟
- أما الرواية الثالثة: فهي وجهة نظر تحتمل الشك في بعضها، واليقين في البعض الآخر. وهذه النظرية يمثلها المستشرق الصيني تشانغ تشانغلانغ، إذ يقول:"ان من المؤكد ان ابن بطوطة وصل الى الصين ولكنه لم يصل الى خان بالق"..
أما وجهة النظر الاخيرة فتؤكد أن الرحالة المغربي وصل فعلاً الى الصين، وزار بعض المدن المهمة مثل: تاسيتون وكانغيا نغفو وهانغتشو وقوانغتش وخان بالق... الخ، وهو الرأي الأقوى والأرجح والأشهر، وهو الذي يميل اليه الدكتور قوانغبين، معللاً أن وصف ابن بطوطة لطبيعة المدن الصينية يدل على زيارته لها خلافاً للقائلين عكس ذلك.
وهنا يتبادر الى الذهن سؤال: كم كان وقت الزيارة اذاً الى الصين؟ وللإجابة عن ذلك تظهر آراء عدة متضاربة ايضاً. أولاً: هناك رأي يقول إن ابن بطوطة وصل الى الصين في سنة 1344م، وهو ما ذكرته المنشورات الموزعة من سفارة المغرب والتي تقول: إن ابن بطوطة وصل الصين في سنة 1344م كما ظهر على غلافها.
أما الرأي الثاني فيقول: إن ابن بطوطة وصلها في سنة 1345م، يؤيد هذا الرأي ما ذكره متحف تاريخ المواصلات وما وراء البحار في مدينة تشيوانتشو في كتابه بعنوان"ميناء تشيوانتشو والمواصلات في العصر القديم"من ان ابن بطوطة وصل الصين في سنة 1345م، كذلك يرى شن فووي في كتابه الموسوم بـ"العلاقات التاريخية بين الصين وافريقيا خلال ألفي عام"ان ابن بطوطة وصل ميناء تسيتون في 1 حزيران يونيو 1345م الموافق 29 محرم 746هـ، في حين ان الرأي الثالث يرى أن ابن بطوطة وصلها في سنة 1346م، يؤيد ذلك ما أورده تشانغ تيشينغ في كتابه"الاستقصاء الاول بتاريخ المواصلات بين الصين وافريقيا"من ان ابن بطوطة وصل الصين عام 1346م حيث يتفق رأيه مع رأي تشانغ يانجيون في كتابه"التبادلات البحرية بين الصين وغربي آسيا وافريقيا في العصور القديمة". وقال فيه"إن ابن بطوطة وصل ميناء تشيتون الكبير مدينة تشيوانتشو اليوم الواقع على سواحل جنوب شرقي الصين، وذكر ان ابن بطوطة مكث في الصين مدة اقصاها ثلاث سنوات من عام 1346 الى 1349". أما الرأي الرابع فيرى أن وصول ابن بطوطة كان في عام 1347م وهو ما يشير إليه المستشرق الصيني تشانغ تشانغلانغ، الذي يرى أن ذلك كان حوالى عام 1347، كما يرى العالم الصيني لي شيبي في مقال بعنوان"ابن بطوطة احد السياح القدامى من افريقيا الى الصين"ان ابن بطوطة وصلها عام 1347م وهو الرأي نفسه الذي يراه المستشرق تشنغ جياشين.
إذاً، أي من هذه الآراء والسنوات هو الصحيح تاريخياً؟
يرى ضيفنا الدكتور قوانغبين انه بحسب ما جاء في رحلة ابن بطوطة نفسها يمكننا ان نجد ان الوقت المحدد لوصوله الى الصين إما أن يكون في الفصل الرابع من سنة 746هـ، الموافق كانون الثاني - نيسان يناير - ابريل سنة 1345م وإما ان يكون في بداية 747هـ، الموافق للفصلين الثاني والثالث سنة 1346م، اي من شهر نيسان وحتى أيلول سبتمبر، مؤكداً أنه يجب على الباحثين والدارسين لرحلة ابن بطوطة ان يضعوا القوة المحركة في اعتبارهم كعنصر اساسي للرحلة، ونحن نعلم ان القوة المحركة للسفن قبل ظهور المحرك البخاري الى حيز الوجود تنقسم الى جزءين هما: القوى البشرية وقوة الرياح. إذاً، أي رياح تعتمدها السفن وهي متوجهة من الصين الى الهند وبالعكس؟ الجواب سهل جداً، فهي الرياح الموسمية، حيث تكون الرياح شمالية شرقية متوجهة من آسيا الشرقية الى آسيا الغربية في الفصلين: الشتاء والربيع من تشرين الاول اكتوبر الى آذار مارس. أما في الصيف والخريف من نيسان الى أيلول، فإن الرياح الغربية الجنوبية تهب من الهند الى آسيا الشرقية، ومن يخالف هذا القانون الطبيعي يصادف المتاعب والعواصف والخطر الشديد بلا شك!
والدليل على ذلك ما ذكره ابن بطوطة نفسه في رحلته، حيث قال انه"لا يمكن السفر الى الصين في أي وقت، لأن هذا مرهون بالعوامل الطبيعية".
وهذا دليل تجربة ابن بطوطة في السفر على هذا الطريق، فلا يمكن ركوب المحيط الهندي الى الصين الا عندما تهب الرياح الغربية الجنوبية من الهند الى الصين. لذا فإن الفقرة من كانون الثاني الى نيسان هي فترة الشتاء والربيع، بحيث تهب الرياح الشمالية الشرقية ولا يمكن ركوب البحر من الهند الى الصين، ولكن الفترة الثانية بعبارة اخرى، هي فترة نيسان الى تموز/ يوليو عام 1346م، حيث ان ظروفها مناسبة للسفر. وهذا معقول ومنطقي جداً بحسب عوامل الرياح وكلام ابن بطوطة بذاته. ثم اكمل الرحالة العربي الكبير سفره الى جنوبي الصين لزيارة مدينة صين الصين والخنساء وخان بالق، وحل الشتاء فسافر بحراً متوجهاً الى الجهة الغربية ركوباً على مسار الرياح الشمالية الشرقية متوجهاً الى الغرب.
> كم استغرقت الرحلة من وقت؟
- يقول البروفيسور فريد لي قوانغبين: انقسم الباحثون والمؤرخون شرقاً وغرباً حول هذا السؤال ايضاً، لعدم وجود تحديد فعلي للرحلة، فالمستشرق الصيني شن فووي رأى أن وقت مغادرة ابن بطوطة من ميناء الزيتون هو 4 أو 18 آيار مايو 1346م الموافق 11 أو 25 محرم 747هـ، وكانت المغادرة في صيف 1346م، أما تشانغ تيشنغ فيرى أن وقت المغادرة من مدينة تشيوانتشو بالصين كان بين تشرين الاول اكتوبر - تشرين الثاني نوفمبر 1346م، وذكرت منشورات سفارة المملكة المغربية لدى جمهورية الصين الشعبية ان ابن بطوطة انتهى من زيارته للصين عام 1349م، وينتهي الباحث فريد لي قوانغبين الذي درس ابن بطوطة محققاً وناقداً طوال ثلاثين عاماً الى ان من المستحيل ان يكون ابن بطوطة قد مكث في الصين لمدة ثلاث سنوات ولا لمدة نصف سنة ونيف، مؤكداً أنه جاء الى الصين لإتمام مهماته الرسمية التي فوضه بها السلطان محمد بن تغلق سلطان دهلي، ولم يكن هدفه السياحة، لذا فإنه لا بد من ان يعود فور انتهائه من مهمته. واذا افترضنا انه مكث في الصين فعلاً لمدة ثلاث سنوات قام فيها بجولة واسعة تحقيقاً لأحوال المجتمع الصيني كما زعم البعض، فلا بد من ان يترك اثره هنا وهناك ولكننا لم نقف على أي دليل من الدلائل على ذلك، وحتى يومنا هذا. ومن الطبيعي ان مدة المكوث سواء أكانت طويلة أم قصيرة ليست بمقياس لتقويم رحلته، ثم ان مدة بقاء ابن بطوطة الطويلة او القصيرة على حد سواء في الصين لن تؤثر في الحقيقة التاريخية بكونه احد الرحالة العظماء في العصور الوسطى، وانه زار - فعلاً - بلاد الصين في الفترة ما بين أيلول 1345م وأيلول 1346م أو بعد شهر او شهرين، قرابة بداية او خلال موسم الرياح الشمالية الشرقية، وهو الرأي الذي تؤكده دلائل التاريخ والعلم وشواهد وقرائن الرحلة وكتابات ابن بطوطة نفسه!
* هو الباحث الصيني الدكتور/ فريدلي قوانغبين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق