DAVE CARROLL |
سمع دايف كارول امرأة تقول: انظروا كيف يتعاملون مع الآلات الموسيقيّة. كان
الحمّالون يتعاملون بخشونة وقساوة مع الأدوات الموسيقية. والأدوات الموسيقيّة هشّة،
وحسّاسة، وقابلة للكسر. التفت دايف كارول فلاحظ أنّ الحمّال يلوّح بحقيبة غيتاره
ويرميها في عربة النقل باستخفاف.
ذهب دايف كارول لتقديم شكوى على سوء تصرّف الحمّال مع غيتاره، ولكنه لم يجد
آذاناً صاغية. كان كلّ مسؤول يدفع به إلى مسؤول آخر، دون الحصول على أيّ نتيجة. ومنهم
من كان يتأفف في وجهه، وقال له أحد المسؤولين بنبرة عالية: ولماذا لم توضّح أنّك
تنقل أشياء حسّاسة؟ دون منحه أي فرصة لشرح قضيته.
تابعت الرحلة طريقها إلى مطار أوماها، وهناك اكتشف دايف كارول العطب الذي
نال غيتاره. يبدو ان المغنّي يتمتّع بنفس طويل، وضبط للأعصاب، اذ ظلّ على امتداد
سنة يطارد قضية غيتاره المعطوب، ولكنّه لم
يكن يجد الأذن الصاغية التي تسمع شكواه، بل كان كلّ موظّف يدفعه إلى موظّف آخر. طلب
منه أحد الموظّفين بعد مرور عدّة شهور على الحادثة الحضور الى نبراسكا وإحضار
غيتاره معه لدراسة المسألة أي بعد أن كان قد عاد إلى كندا. وهذا يعني انه عليه قطع
ما يقارب 2500 كلم لحلّ هذه المسألة. طفح كيل دايف كارول، وقرّر أن يحوّل قضية
غيتاره الى قضيّة عامّة لتأديب سلوك الشركة معه. لعلّ شركة الطيران لم تنتبه ان
دايف كارول مطرب، وعازف غيتار. وصوت المطرب قويّ، ويمكن أن يكون أخطر من أيّ سلاح،
قد يكون الصوت قوّة ناعمة تشبه نعومة خيط الحرير الجارح. ولا أظنّ أنّ أحداً يمكنه
أن يستخفّ بسلطان أصوات الفنّانين، كما انه من قصر النظر عدم أخذ هذه القوّة بعين
الاعتبار.
قرّر دايف كارول بكلّ بساطة تحويل قصّة معاناة الغيتار إلى حكاية مغناة وتوصيلها
إلى جمهوره فكتب أغنية بعنوان " united breaks guitars ". وأنزلها بصوته وموسيقاه في شكل" فيديو كليب" على اليوتيوب.
والأغنية تشرح ما حصل معه ومع غيتاره. كان يتوقّع لأغنيته أن تصل خلال عام إلى
مسامع مليون شخص من متابعيه، وكان يشعر أنّ هذا العدد كفيل بتلقين الشركة درساً في
الأخلاق وفي حسن التعامل. كانت مفاجأته مذهلة إذ إنّ شريط الفيديو شاهده ، في غضون
أسبوعين، أكثر من أربعة ملايين شخص. ماذا بإمكان هذا الكمّ من المشاهدين أن يفعل؟
تحوّلت قصّة غيتار دايف كارول إلى مادّة إعلاميّة دسمة، ومادّة أيضاً اقتصادية،
ودرس موجع في إدارة الأعمال. فتناولت مجلة التايمز اللندنية الانعكاسات الاقتصادية
على شركة الطيران التي استخفّت بالغيتار وبصاحب الغيتار. كلّفت هذه الأغنية شركة
الطيران خسائر تفوق ال 180 مليون دولار. فالناس تعاطفوا مع صاحب الأغنية، وجزء
كبير من الذين شاهدوا الأغنية قاطعوا رحلات الشركة لسوء علاقتها مع روّادها.
انتبهت الشركة الى الخطأ الذي ارتكبته بحقّ عازف الغيتار، وأرسلت إليه تعويضاً
بمبلغ ثلاثة آلاف دولار، تبرّع بها الى جمعية خيرية تهتم بالموسيقى. فالمسألة، في
نظره، لم تكن مسألة حفنة من الدولارات بقدر ما كانت طريقة التعامل معه التي تنمّ
عن استخفاف. ولقد قامت الشركة، في الوقت نفسه، بنشر بيان تعتذر فيه من عازف
الغيتار كما انتبهت الى أهمّية العلاقة مع زبائنها. الزبون كما قال أحدهم هو، في
العمق، ربّ العمل في أيّ مؤسسة كانت. الزبون ربّ العمل الفعليّ. فمن يقرّر، عملياً،
مصير أي شركة أو مؤسسة؟ يكفي أن يغيّر الزبون وجهته ويمتنع عن التعامل مع هذه
الشركة أو تلك حتى يضعضع أركانها وقد يدفعها إلى إعلان إفلاسها، وإرسال موظّفيها إلى
البيت بمن فيهم ربّ العمل نفسه.
ثمّة شركات تمنّن الزبون كما لو أنّها هي التي تمدّه بسبل الحياة وليس
العكس، ولكن هل تدري هذه الشركات سلطان الزبون المتمادي في هذا الزمن الرقميّ الذي
أعطى الناس كلّ الناس فرصاً للدفاع عن النفس لم تكن متوفرة قبل زمن اليوتيوب
والفايسبوك وتويتر؟ وإن كانت تتعامى عن هذه النقطة فلا تعرف متى ينقضّ عليها شخصٌ
يعرف كيف أن يأخذ حقّه منها برمي شبكة عنكبوته الإلكترونية لاصطياد أخطائها
وعيوبها؟
بلال عبد
الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق